تاريخ نظام الصرف

 
 

تبنى المغرب منذ سنوات السبعينات نظام سعر الصرف الثابت الذي يربط الدرهم بسلة من العملات تعكس بنية المبادلات الوطنية مع الخارج. ومكن هذا النظام من ضمان استقرار الدرهم من حيث سعر الصرف الفعلي الإسمي ومن تقليص تقلبات العملات المكونة للسلة. وتم إدخال عدة تعديلات على تشكيلة السلة منذ اعتمادها، وذلك من أجل مواكبة التطورات التي عرفتها بنية المبادلات التجارية للمغرب طيلة هذه الفترة. وتمثل التعديل الأخير، المطبق في 13 أبريل 2015، الذي يستند إلى بنية المبادلات الدولية للمغرب، في جعل نسب الترجيح تصل إلى 60% بالنسبة للأورو و40% للدولار، مقابل على التوالي 80% و20% فيما قبل.

ومكن نظام سعر الصرف الثابت هذا أيضا من الحفاظ على الاستقرار الماكرو اقتصادي في ظل محيط صعب، لاسيما ما يتعلق بالتحكم في التضخم الذي ظل طيلة السنوات العشر الأخيرة دون 2%. أيضا، أعطى للاقتصاد نقطة ارتكاز إسمية، وهي سعر الصرف، التي إلى جانب تعزيز استقلالية البنك المركزي فيما يتعلق بتحديد السياسة النقدية منذ سنة 2006، لعبت دورا كبيرا في انضباط ومصداقية السياسة النقدية.

إلا أن نظام سعر الصرف الثابت يمكن من تلبية كافة الاحتياجات من العملات الأجنبية للفاعلين الاقتصاديين دون حدود، وهو ما من شأنه إحداث ضغوطات كبيرة على مستوى احتياطيات الصرف وبالتالي التأثير على قدرة بنك المغرب على احترام التزاماته الخارجية.

من ناحية أخرى، فإن تطورات الظرفية في الآونة الأخيرة والاندماج المتزايد للمغرب في الاقتصاد الدولي يشجعان على التحول نحو نظام صرف أكثر مرونة.

بالفعل، شرعت السلطات المغربية منذ 2010 في التفكير في مسألة إصلاح نظام الصرف، وفي سنة 2016 اتخذ القرار ببدء أشغال الانتقال نحو سعر صرف أكثر مرونة، موازاة مع تكييف إطار السياسة النقدية لاستهداف التضخم. وتتمثل أبرز العوامل وراء هذا الإصلاح من جهة في مواكبة سياسة انفتاح الاقتصاد المغربي وتعزيز صموده أمام الصدمات الخارجية، ومن جهة أخرى في المساهمة في النهوض بتنافسية الاقتصادية وجعل المغرب قطبا ماليا بامتياز على الصعيد الإفريقي، وأخيرا تقليص الضغوط على احتياطيات الصرف.

لقد انتقل المغرب إذن من نظام صرف ثابت تتقلب فيه أسعار الصرف في نطاق 0,6% إلى نظام صرف جديد يكون في مراحله الأولى هذا النطاق أكبر وتحدد فيه قيمة الدرهم حسب السوق من خلال قانون العرض والطلب على العملات الأجنبية والتعديلات حسب الأسعار وليس حسب الأحجام.

ينبغي على هذا الإصلاح، الذي سيكون عملية طويلة الأمد، أن يستجيب بشكل دائم لبعض المتطلبات، لاسيما ما يتعلق بصلابة الأسس الماكرو اقتصادية، وكفاية مستوى احتياطيات الصرف، وقوة وصمود النظام البنكي وأخيرا ملاءمة إطار السياسة النقدية مع استهداف التضخم.

في هذا الصدد، ومن أجل نجاح هذا الإصلاح، استفادت السلطات من مساعدة مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي وبعض البنوك المركزية من أجل تقاسم التجارب والخبرات.

ومن أجل التطبيق العملي لهذا المشروع الاستراتيجي، تم إعداد خارطة طريق تحدد مختلف الجوانب الاستراتيجية والتحليلية والتشغيلية والقانونية لإصلاح نظام الصرف وكذا إطار السياسة النقدية.

كما قام بنك المغرب بإطلاق حملات تحسيسية لفائدة الفاعلين الاقتصاديين والبنكيين من أجل التحضير لهذا الانتقال ومواكبة الفاعلين في التحكم في المخاطر المرتبطة بمرونة سعر الصرف، لاسيما الجوانب المتعلقة بالتغطية ضد مخاطر الصرف.

وتمثل الظرفية الاقتصادية والأسس الماكرو اقتصادية وكذا المستوى الملائم لاحتياطيات الصرف شروطا مواتية لإنجاح الانتقال التدريجي والمنظم لنظام الصرف الحالي نحو نظام أكثر مرونة.

بحث

من أجل استعمال أمثل لهذا الموقع، نوصيكم باستعمال النسخ المنقحة لبرامج التصفح :